الجرف الأصفر.. قلعة الفوسفاط المغربي التي تزوّد العالم من عمق الجديدة

complexe-industriel-jorf-lasfar-OCP4

على بُعد نحو 16 كيلومتراً من مدينة الجديدة، تنتصب قلعة صناعية فريدة تُعرف باسم المركب الصناعي للجرف الأصفر، التابع لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، والذي يُعدّ أكبر منصة مندمجة لإنتاج الفوسفاط ومشتقاته في العالم.

يمتد هذا الصرح على مساحة تفوق 1800 هكتار، ويضم حوالي 15 ألف مستخدم، بينهم 10 آلاف عامل في إطار مقاولات متعاقدة مع المجموعة. ويكفي القول إن دخول هذا المركب العملاق ليس أمراً متاحاً للجميع، إذ يتطلب ترخيصاً خاصاً، في فضاءٍ يُزاوج بين الانضباط الصناعي والاعتناء بالإنسان والبيئة؛ حيث تنتشر المساحات الخضراء وفضاءات الصلاة في كل الأرجاء.

يُعتبر الجرف الأصفر فخر مجموعة OCP وواجهة ريادتها العالمية، إذ يعتمد أحدث معايير السلامة والجودة، ويُعدّ نموذجاً في التنمية المحلية المستدامة بفضل المبادرات الاجتماعية والبيئية التي يرعاها.

تعود بدايات هذا المشروع العملاق إلى سنة 1986، حيث انطلق بست وحدات لإنتاج الحامض الكبريتي، وثمانٍ لإنتاج الحامض الفوسفوري، وأربع وحدات للأسمدة. ومع مرور العقود، تضاعفت القدرات الإنتاجية للمركب بشكل مذهل، لتصل اليوم إلى أكثر من 11 مليون طن سنوياً من الأسمدة الفوسفاطية.

وتوضح أمينة جمال الدين، المسؤولة عن تدبير الزيارات بالموقع، أن المركب انفتح مبكراً على العالم من خلال شراكات نوعية؛ بدأت سنة 1998 مع إنشاء شركة “أورو مغرب فوسفور” لإنتاج الحامض الفوسفوري المصفّى المستعمل في الصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل والمشروبات الغازية.

تلتها شراكات أخرى مع الهند (IMACID) سنة 1999، ثم باكستان سنة 2008، والبرازيل سنة 2009، قبل أن يقرر المجمع سنة 2013 تحويل هذه الأخيرة إلى شركة مغربية خالصة. كما انضمت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً إلى منظومة الجرف الأصفر عبر شراكة مع شركة “Koch Ag and Energy Solutions”، التي حصلت على 50% من أسهم وحدة الأسمدة “JFC III”، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.1 مليون طن متري سنوياً.

هذه الشراكات لم تُحقق فقط تنويع الأسواق، بل رسّخت موقع OCP كمزوّد استراتيجي للعالم بالأسمدة عالية الجودة، وكمُحرّك رئيسي للأمن الغذائي الدولي.

في سنة 2008، أطلق المجمع برنامجه الصناعي الطموح لمضاعفة الطاقة المنجمية ورفع الإنتاج بثلاثة أضعاف مع تقليص التكاليف. ومن خلال أربع وحدات متكاملة أُنشئت بين 2015 و2018، ارتفعت الطاقة الإجمالية إلى 11 مليون طن سنوياً، لتصبح الجرف الأصفر أكبر منظومة فوسفاطية متكاملة في القارة الإفريقية.

ويُعدّ أنبوب نقل الفوسفاط الذي دشّنه جلالة الملك محمد السادس سنة 2014 من أبرز الإنجازات التقنية في تاريخ المركب؛ إذ يمتد على 187 كيلومتراً من خريبكة إلى الجرف الأصفر، ناقلاً أكثر من 38 مليون طن سنوياً من الفوسفاط الخام. هذا الأنبوب المبتكر مكّن من تقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بشكل كبير بفضل الاستغناء عن عملية التجفيف التقليدية، كما رفع كفاءة التوريد والقدرة الإنتاجية بشكل غير مسبوق.

وفي قلب هذا الصرح الصناعي، يعمل برج مراقبة رقمي على مدار الساعة، مجهّز بأحدث أنظمة الرصد والتحكم، لمتابعة كل تفاصيل التشغيل والسلامة البيئية والصناعية.

هكذا يظل الجرف الأصفر أكثر من مجرد مركب صناعي؛ إنه رمز للسيادة الصناعية المغربية، ونموذج متفرّد في التحول نحو صناعة خضراء توازن بين الربح الاقتصادي والمسؤولية البيئية والاجتماعية، وتُكرّس موقع المغرب لاعباً رئيسياً في تأمين غذاء العالم.

About The Author