“الموت البطيء” لـ 12 مليون سنتيم: معدات طبية حيوية “مُعاقبة” في ميناء الدار البيضاء وساكنة أزمور تدفع الثمن
مفارقة قاسية تتجسد اليوم في ميناء الدار البيضاء، حيث لا تزال شحنة ثمينة من المعدات الطبية الأوروبية الحديثة رهن الاحتجاز القسري لعدة أشهر، والسبب ليس عائقاً لوجستياً، بل قصور إداري تُقدّر فاتورته بـ 120 ألف درهم (12 مليون سنتيم). هذه القيمة، التي تبدو زهيدة في ميزانية جماعية، نجحت في تجميد مبادرة تضامنية نبيلة كانت تستهدف إنقاذ القطاع الصحي المتهالك في مدينة أزمور.
المبادرة النبيلة في مواجهة “البيروقراطية المُكلفة”
الشحنة العالقة هي ثمرة شراكة كريمة بين جمعية أوروبية وأحد أبناء أزمور المقيمين بالخارج، هدفها تعزيز التجهيزات الأساسية للمستشفى المحلي وتقليص معاناة الساكنة مع النقص الحاد في الوسائل العلاجية والتشخيصية. لقد وصلت هذه المعدات إلى التراب المغربي منذ مدة، لكن رحلتها الإنسانية توقفت عند عتبة الإجراءات المالية.
وتشير المعطيات إلى أن المجلس الجماعي لأزمور هو الطرف المسؤول عن تسوية المستحقات الجمركية لدى إدارة الجمارك، غير أن الملف ظل معلقاً وسط دوامة الإهمال والتأجيل.
صمت الإدارة وتذمر الفاعلين
تثير هذه الفوضى الإدارية استياء عميقاً في صفوف الأطباء، والمهنيين الصحيين، والفاعلين الجمعويين في أزمور وإقليم الجديدة عموماً، الذين يرون أن تأخير الإفراج عن هذه المعدات يُشكل جريمة حقيقية في حق المواطنين.
في الوقت الذي كانت فيه هذه الأجهزة يفترض أن تُساهم في إنقاذ الأرواح وتخفيف الضغط عن المستشفى، فإنها الآن تتعرض للتلف أو التدهور داخل المحجز الجمركي، لتتحول بذلك مبادرة التضامن إلى عبء إضافي نتيجة “الشلل المالي” للإدارة المحلية.
تهديد إنساني بمقابل مالي بسيط
المفارقة المؤلمة تكمن في ضآلة المبلغ المالي المطلوب (12 مليون سنتيم) مقارنة بالأثر الإيجابي الهائل لهذه المعدات على الخدمات الصحية. فالمجلس الجماعي، الذي ناقش ملف القطاع الصحي ضمن أولويات دورة أكتوبر الجارية، يواجه اتهامات بالعجز عن تدبير حتى المستحقات البسيطة، بينما تتذرع مصادر بـ “واقع ميزانية المجلس العاجزة” عن صرف هذه المبالغ.
إن هذا الحادث ليس مجرد خطأ إداري عابر، بل هو مؤشر على خسارة مزدوجة: خسارة التضامن الأوروبي، وخسارة الفرصة لتحسين وضع المستشفى المحلي الذي لطالما عانى من ضعف التجهيز. وتظل كرة الحسم الآن في ملعب السلطات المنتخبة، التي يجب أن تتدخل بشكل عاجل لإنهاء هذا الحجز غير المبرر وإعادة الحياة إلى مبادرة توقفت عند عتبة الروتين المالي القاتل.
