النقل الحضري ينطلق من أكادير.. والجديدة تعاني مع “الخردة” و تنتظر “طوبيسات المستقبل” حتى 2029
في خضم الحديث عن تحديث البنية التحتية والخدمات العمومية، وتزامناً مع وصول دفعات من الحافلات الحديثة إلى موانئ المملكة، بات لزاماً توضيح الرؤية وتصحيح المعلومات المتداولة بخصوص استفادة المدن من البرنامج الوطني الجديد للنقل الحضري 2025-2029. فبينما يهلل البعض لوصول حافلات جديدة، تبدو الحقيقة الرسمية أكثر تعقيداً، خاصة بالنسبة لمدن كبرى مثل الجديدة وأزمور.
خلافاً لما ذهبت إليه بعض التكهنات، فإن الحافلات التي استقبلها ميناء أكادير مؤخراً، وتحديداً في 25 أكتوبر 2025، لا علاقة لها بإقليم الجديدة أو محيطها، بل هي الدفعة الأولى من أسطول ضخم مخصص لتعزيز شبكة النقل الحضري في عاصمة سوس.
المعطيات الرسمية تؤكد:
- 70 حافلة هي أول دفعة وصلت إلى أكادير، ضمن خطة شاملة لتجهيز المدينة بما مجموعه 247 حافلة حديثة في إطار الشطر الأول من البرنامج الوطني للنقل الحضري.
- هذا البرنامج الضخم، الذي أطلقته وزارة الداخلية بشراكة مع الجماعات الترابية، تبلغ كلفته الإجمالية نحو 11 مليار درهم، ويهدف إلى اقتناء حوالي 3800 حافلة لتغطية 37 سلطة مفوضة و84 مدينة وتجمعاً حضرياً.
- يهدف الشطر الأول إلى توفير حافلات ذكية ومجهزة، تخضع لعقود تدبير جديدة تضع معايير صارمة للجودة والحكامة، بما يضمن تحديثاً جذرياً لأسطول النقل.
هذا التحديث الفوري لأكادير وست مدن أخرى ضمن الشطر الأول، يؤكد على الأولوية الممنوحة للمدن ذات المشاكل المتفاقمة أو التي تستعد لمشاريع كبرى، في حين تم توزيع باقي المدن على مراحل تالية.
إن المخطط الوطني لوزارة الداخلية يكشف عن جدول زمني واضح، وإن كان متأخراً لبعض المدن، يتم تنفيذه على ثلاثة أشطر رئيسية:
| الشطر | المدن والتجمعات الحضرية المشمولة | التاريخ التقريبي للتنفيذ |
| الشطر الأول | طنجة، تطوان، فاس، الرباط، مراكش، أكادير (يشمل 29 مدينة) | انطلاق فعلي في أواخر 2025 / بداية 2026 |
| الشطر الثاني | سيدي بنور، الداخلة، كلميم، وجدة، الصويرة، تنغير، تاونات (يشمل 24 مدينة) | المرحلة الوسطى من البرنامج |
| الشطر الثالث والأخير | الجديدة، أزمور، الدار البيضاء، مكناس، خريبكة، العيون، بني ملال، الناظور (يشمل 31 مدينة) | المرحلة الأخيرة (بحلول 2029) |
هنا تكمن الإشكالية الكبرى لإقليم الجديدة: الجديدة وأزمور تقعان ضمن الشطر الثالث والأخير، ما يعني أن ساكنتهما قد تضطر للانتظار حتى سنة 2029 لتوديع ما يُوصف محلياً بـ “طوبيسات الخردة” أو الحافلات المتقادمة والمتهالكة.
هذا التأخير المبرمج يطرح تساؤلات جدية حول المسؤولية المحلية في إقليم الجديدة ومحيطها. ففي الوقت الذي نجحت فيه مدن كبرى وصغرى في التفاوض لتكون ضمن الشطر الأول والثاني، يبدو أن تدبير ملف النقل الحضري في الجديدة لم يكن على قدر التحدي.
هل يعكس هذا التموقع في ذيل القائمة (الشطر الثالث) فشلاً في التفاوض، أو عدم استعجالية في إعداد ملفات التدبير المفوض، أو قبولاً بالأمر الواقع للوضع الحالي؟
إن الاستمرار في الاعتماد على أسطول قديم، يفتقر لأدنى معايير السلامة والجودة والخدمة الذكية، حتى عام 2029، يعد تحدياً خطيراً لكرامة المواطن وجودة عيشه في مدينة تشهد تضخماً سكانياً متزايداً، وتطمح لأن تكون قطباً سياحياً واقتصادياً.
الخلاصة: لا يمكن لوم البرنامج الوطني، الذي يُعد استثماراً ضخماً لتحديث النقل على الصعيد الوطني. لكن، موقع الجديدة في الشطر الأخير هو الذي يشير بأصبع الاتهام إلى المسؤولين عن قطاع النقل الحضري والفاعلين المحليين، الذين قد يكونون قد ورطوا المدينة وساكنتها في استمرار الأزمة لسنوات قادمة، ما لم يتم إيجاد حلول استثنائية وعاجلة لتقليص هذه الفترة الزمنية الطويلة.
انتهى الكلام: الحافلات الجديدة لأكادير تؤكد على إمكانية التغيير، لكن الجديدة تنتظر قطارها المتأخر، وهو انتظار يجب أن يرافقه ضغط شعبي ورقابة صارمة لضمان أن عام 2029 سيكون بالفعل نهاية زمن “الخردة” وبداية زمن الكرامة في النقل الحضري.
