شرطة الجديدة الإدارية: استثمار ضخم ونتائج باهتة… هل فقدت البوصلة؟

571253740_1311697191001004_209357580353598608_n

في مدينة الجديدة، أُطلِق جهاز “الشرطة الإدارية الجماعية” حاملاً معه وعوداً براقة بتحول جذري في المشهد الحضري. كان الهدف المعلن واضحاً وجريئاً: إحلال النظام، فرض معايير النظافة والصحة العامة، وتنظيم احتلال الملك العمومي، لتصبح المدينة نموذجاً للحكامة المحلية الرشيدة. ومع ذلك، وبعد فترة من العمل، يتزايد التساؤل بين الساكنة: هل كان هذا المشروع طفرة في التنظيم أم مجرد “فخ” مكلف يستهلك الموارد دون مردود فعلي؟

الاستثمار في هذا الجهاز كان ضخماً بكل المقاييس. الحديث يدور عن ميزانيات مخصصة لرواتب، اقتناء أسطول من المركبات الحديثة، توفير زي موحد وإمكانيات لوجستية متطورة. لقد صُرِفَت أموالٌ طائلة لتأسيس هيكل عصري ومجهز. لكن المشكلة تكمن في المسافة الشاسعة بين الأناقة الشكلية والواقع الميداني.

فعلى الرغم من الصلاحيات الواسعة الممنوحة لهؤلاء الأعوان – من مراقبة المنشآت المصنفة، إلى مكافحة الذبح السري، مروراً بضبط فوضى الباعة المتجولين والمقاهي التي تغزو الأرصفة – يظل التغيير الملموس في الحياة اليومية لسكان الجديدة شبه معدوم. الأرصفة لا تزال محتلة، الشواطئ الساحلية لـ “الفراشة” تتزايد بلا رادع، ونقاط تجميع النفايات العشوائية تتكاثر دون حسيب. يبدو أن جهاز الرقابة، الذي كان يُفترض أن يكون “الذراع الضابط” للجماعة، أصيب بـ”شلل” عملي غير مفهوم.

إن الإخفاق في تحقيق الأهداف لا يمثل فقط فشلاً إدارياً، بل له كلفة مالية واجتماعية باهظة.

  • الكلفة المالية: الأموال المصروفة على التجهيزات والموظفين هي في الأساس من أموال دافعي الضرائب. إن استمرار دفع هذه الكلفة مقابل نتائج “صفرية” يثير الشكوك حول جدوى الإنفاق العام وفعالية آليات المتابعة والتقييم داخل المجلس الجماعي.
  • الكلفة الاجتماعية: تفاقم الفوضى يغذي شعوراً عاماً بالإحباط لدى المواطنين ويهز الثقة في قدرة المؤسسات المحلية على فرض القانون. عندما يرى المواطن التاجر يحتل الملك العام دون عقاب، تضعف لديه روح المبادرة للالتزام، ويتساءل عن دور هذا الجهاز الذي يراه ولا يرى أثره.

في ظل هذه الخلفية، يطرح سؤال حيوي على المنتخبين المحليين: هل تم قياس فعالية هذا الجهاز منذ تأسيسه؟ وكيف يمكن تبرير هذا الإنفاق الضخم على آليات رقابة تبدو غائبة عن ساحة المعركة الحضرية؟

إن مدينة الجديدة بحاجة ماسة إلى شرطة إدارية فاعلة لا شكلية، تهتم بالعمق لا بالمظاهر. يجب على المجلس الجماعي أن يتخذ خطوات فورية لإعادة تقييم شامل لأداء هذا الجهاز، وتحديد مكامن الخلل بدقة (سواء كانت في التكوين، أو الإمكانيات، أو الإرادة السياسية)، قبل أن يتحول المشروع الطموح إلى مجرد عبء إضافي ومصدر للسخرية العامة. الجديدة تنتظر عملاً حقيقياً لا وعوداً باهتة.

About The Author