لغز العربة الفلاحية المسروقة: كيف يواجه درك أزمور “الفراقشية” في صراع الأرياف الدائم؟
تشكل ظاهرة سرقة المواشي، أو ما يُعرف محلياً بـ “الفراقشية”، تهديداً وجودياً للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لصغار الفلاحين ومربي الماشية في العالم القروي بإقليم الجديدة، وتحديداً في منطقة أزمور ونواحيها. وفي خطوة تؤكد يقظة المصالح الأمنية، تمكنت عناصر الدرك الملكي بأزمور مؤخراً من تحقيق إنجاز أمني هام، تمثل في حجز عربة فلاحية كان يستعملها أفراد عصابة إجرامية متخصصة في تنفيذ سرقات موصوفة للمواشي.
هذا الحدث، الذي تناقلته المنابر الإخبارية، ليس مجرد عملية أمنية عادية، بل يمثل حلقة جديدة في صراع مستمر بين قوى الأمن وهذه العصابات المنظمة، التي تستغل العزلة الجغرافية والهشاشة الأمنية لضرب أرزاق الكسابة.
تعتمد عصابات “الفراقشية” بشكل كبير على الناقلات كوسيلة حاسمة لتنفيذ عملياتها ليلاً ونقل المسروقات بعيداً عن أعين الرقابة. وفي العملية الأخيرة التي قادتها عناصر درك أزمور، كان حجز هذه العربة الفلاحية تحديداً بمثابة نقطة تحول:
- الدليل المادي: العربة الفلاحية، بحكم طبيعتها واستعمالها في النقل، هي دليل مادي قوي يربط المتورطين بمكان وتاريخ الجريمة. وقد أشارت تقارير إلى أن هذه العربة كانت تُستعمل في تنفيذ سرقات موضوع قضايا جنائية سابقة في المنطقة.
- تحديد الهوية والمسار: من المرجح أن تكون المصالح الدركية قد اعتمدت على الخبرة التقنية لتحديد هوية المالكين أو المستخدمين للعربة، إضافة إلى تحليل البصمات والأدلة المادية، لتحديد مسار تنقلات العصابة وأماكن تجميع المواشي المسروقة. وغالباً ما يتم نقل هذه المواشي بسرعة إلى أسواق بعيدة أو ضيعات أخرى لبيعها وتصفية المسروقات.
إن تكرار هذه الحوادث في أزمور والمناطق المجاورة (سيدي بنور، الزمامرة، أولاد عمران) يؤكد أن ظاهرة “الفراقشية” هي نشاط إجرامي منظم يتجاوز السرقة العادية، ويتميز بعدة خصائص:
- التخصص الإجرامي: العصابات المتخصصة في سرقة المواشي تضم في غالب الأحيان سماسرة وجزارين متورطين في شراء المسروق، مما يسهل عملية تصريف الأبقار والأغنام المنهوبة في الأسواق بطرق غير قانونية.
- استغلال العزلة: تستغل هذه العصابات نقص التغطية الأمنية في الدواوير والمناطق النائية، مما يحول حياة مربي الماشية إلى كابوس دائم، ويدفعهم لتنظيم لجان يقظة أهلية لحماية أرزاقهم بأنفسهم.
تُظهر العمليات المتكررة للمركز الترابي للدرك الملكي بأزمور، وباقي المراكز التابعة لسرية الجديدة وسيدي بنور، وجود استراتيجية أمنية استباقية لمكافحة الظاهرة، تقوم على:
- تكثيف الدوريات والسدود القضائية: يتم تفعيل دوريات متنقلة ومستمرة على المحاور الطرقية الرئيسية والفرعية، خاصة في الأوقات المتأخرة من الليل، لفرض رقابة صارمة على العربات النفعية التي تُستخدم لنقل المواشي، ومطالبة السائقين بالوثائق القانونية وشهادات المنشأ.
- الاستخبارات والبحث التقني: يتم الاعتماد على جمع المعطيات حول الأشخاص ذوي السوابق في هذا المجال، واستغلال نتائج الخبرة التقنية على الأدلة المحجوزة (كالعربة الفلاحية الأخيرة) لتحديد هوية باقي المتورطين الهاربين و”فضح” شبكات التواطؤ المحتملة.
- التفاعل السريع مع الشكاوى: تزايد نجاح الدرك في فك ألغاز هذه السرقات، كما حدث سابقاً في قضايا بإقليم سيدي بنور، يرجع إلى التفاعل الجدي والسريع مع شكاوى الضحايا، مما يساهم في إحباط محاولات تصفية المسروقات قبل فوات الأوان.
في الختام، يمثل حجز عربة “الفراقشية” في أزمور ضربة موجعة جديدة لشبكات السرقة التي تروع الفلاحين. ومع ذلك، يبقى التحدي الأمني قائماً ومستمراً، ويتطلب تضافر جهود المجتمع المدني، والمنتخبين، والسلطات الأمنية لتوفير تغطية أمنية أوسع وأكثر استدامة للمناطق القروية، لضمان حماية هذه الفئة الهشة اقتصادياً من بطش الإجرام المنظم.
