أمهات في الحدائق.. صرخة “الحوزية” التي تفضح فشل البرامج الاجتماعية بالجديدة

64f9ee203a7bf

لم تعد حدائق مدينة الجديدة فضاء للترفيه والاستجمام فحسب، بل تحولت إلى مكان للاحتجاج الصامت، ورمز مؤثر لفشل البرامج الاجتماعية المحلية. المشهد يتكرر بشكل يومي: عشرات الأمهات، القادمات من دواوير جماعة الحوزية القريبة، يفترشن الأرض ويقضين أيامهن بالكامل تحت أشعة الشمس، يرافقن أبنائهن الصغار الذين حرموا من أبسط حقوقهم: النقل المدرسي.

إنها دراما اجتماعية تكشف عن عمق الأزمة في تدبير الشأن العام المحلي بإقليم يعتبر من أغنى الأقاليم في المنطقة.

تضطر هؤلاء الأمهات، وبأعداد كبيرة، إلى مغادرة منازلهن منذ الفجر لقطع مسافات طويلة، في غالب الأحيان سيراً على الأقدام، للوصول إلى مدينة الجديدة حيث توجد مدارس أبنائهن الابتدائية. وبعد إيصال التلاميذ صباحاً، لا يجدن خياراً سوى البقاء بحديقة قريبة من المدرسة (كمدرسة المقاومة) طوال اليوم.

  • الأعباء المضاعفة: تتحمل الأمهات أعباء مالية ونفسية لا تطاق: نقل يومي مكلف، تحضير وجبة الغداء البسيطة (قنينة شاي وكسرة خبز في بعض الحالات) لتناولها على عشب الحديقة، وحمل الرضع والأطفال الصغار الذين لا يجدون من يرعاهم في الدوار.
  • التهديد بالهدر المدرسي: تبرر الأسر هذه المعاناة بالتزامها بالحفاظ على حق أبنائها في التعليم، رغم القرار “الجائر” لجماعة الحوزية (حسب روايات متضررة) بإلغاء خدمة النقل المدرسي لتلاميذ السلك الابتدائي في دواوير مثل السبيطات والنواصرة والطاجين. هذا الحرمان يهدد بشكل مباشر مستقبل أكثر من مائة تلميذ، قد يضطرون لترك الدراسة والوقوع فريسة للهدر المدرسي.

لم تقتصر الأزمة على المعاناة الإنسانية، بل دخلت في نفق الجدل الإداري والسياسي، حيث تضاربت الروايات حول أسباب توقف الخدمة:

  1. رواية الجماعة: تصر جماعة الحوزية على أن قرار إلغاء النقل خارج نفوذها الترابي جاء امتثالاً للتوجيهات الرقابية (من قبيل المجلس الجهوي للحسابات) التي نبّهت إلى عدم قانونية استعمال النقل المدرسي لخدمة تلاميذ يتابعون دراستهم في مؤسسات خارج تراب الجماعة، خاصة مع توفر مؤسسات تعليمية بديلة داخل الحوزية.
  2. رد الأسر: تعتبر الأسر هذا التبرير تهرباً من المسؤولية، مشيرين إلى أن الخدمة كانت مستمرة لسنوات طويلة (حوالي 8 سنوات)، وأن قرار الإلغاء المفاجئ والتعسفي يضع مستقبل أبنائهم على المحك، ويشيرون إلى وجود خلفيات سياسية وراء القرار.

إن هذا التناقض الحاد بين المصلحة الفضلى للطفل وبين التطبيق الحرفي والجزئي للقانون (إذا صحت مزاعم الجماعة)، يعكس خللاً هيكلياً في التعاطي مع ملفات التنمية البشرية بالإقليم. فإذا كان النقل المدرسي مشروعاً ممولاً في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (المبادرة الملكية السامية لتقليص الفوارق)، فإن وقف الخدمة بهذا الشكل المشوه لا يخدم سوى زيادة الهشاشة وتعميق الفجوة الاجتماعية.

في ظل استمرار الاحتجاجات والأوضاع الإنسانية المؤلمة، بات من الضروري تدخل السلطات الإقليمية العليا بشكل فوري وجذري.

لقد وجهت صرخات الأمهات مباشرة إلى عامل الإقليم والجهات المسؤولة، مطالبة بـ تسريع انطلاق خدمة النقل المدرسي ووضع خطة واضحة ومستدامة تضمن حق التلاميذ في التعليم دون تعثر. إن حق الطفل في الوصول الميسر إلى مدرسته لا يجب أن يبقى رهناً لـ “خلافات التدبير المحلي” أو التفسيرات القانونية الضيقة.

إن إقليم الجديدة، الذي يزخر بالمشاريع الكبرى، مدعو اليوم إلى أن يولي اهتماماً حقيقياً لمواطنيه، ويثبت أن خدمات القرب والبرامج الاجتماعية يتم تنزيلها بـ إنسانية وفعالية، وليس بـ عقلية البيروقراطية الصماء التي تفضي في نهاية المطاف إلى حرمان الأطفال من مستقبلهم.

في النهاية، تبقى هذه المشاهد اليومية في حدائق الجديدة شهادة قاسية على فشل البرامج التي يفترض أن تحارب الهشاشة، وتدعو إلى فتح تحقيق شامل في أسباب هذا التقصير وإرساء مبدأ المحاسبة لضمان عدم تكرار مأساة “أمهات الحوزية”.

About The Author