الـ 25 مليار سنتيم تحت المجهر: هل تنقذ “خطة إنعاش مازاغان” الحي البرتغالي من براثن الإهمال؟
بعد مرور عقدين من الزمن على إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو (في 2004)، عاشت المدينة البرتغالية “مازاغان”، المعروفة بـ الحي البرتغالي بالجديدة، فترة طويلة من “الاحتضار الصامت” تحت وطأة الإهمال. هذه الجوهرة المعمارية، التي تمزج بين الإرث الإسلامي الأندلسي والطراز الأوروبي الكولونيالي، ظلت تعاني من تآكل أسوارها، وتدهور بناياتها، وإغلاق معالمها الأبرز كـ المسقاة البرتغالية.
أمام هذا الواقع المرير، تم الإعلان أخيراً عن “مخطط إنقاذ” ضخم بتمويل متعدد الأطراف، يخصص للحي البرتغالي بالجديدة ميزانية تصل إلى حوالي 250 مليون درهم (أي 25 مليار سنتيم) ضمن برنامج شامل يمتد من 2025 إلى 2027. هذا المبلغ يثير تساؤلات حارقة: هل هو بداية لنهضة حقيقية، أم مجرد وعود جديدة ستغرق في متاهات البيروقراطية؟
المشروع ليس محلياً خالصاً، بل هو ثمرة شراكة ضخمة تهدف إلى تحويل الجديدة وأزمور إلى أقطاب تنموية، حيث تبلغ الكلفة الإجمالية لبرنامج الترميم والتأهيل المشترك بين المدينتين 400 مليون درهم (40 مليار سنتيم)، نصيب الجديدة منها هو الأكبر.
| الجهة الممولة | المساهمة بالمليون درهم (تقريباً) |
| وزارة الداخلية (المديرية العامة للجماعات الترابية) | 74 مليون درهم |
| وزارة إعداد التراب الوطني (والتعمير والإسكان) | 73 مليون درهم |
| المجلس الجهوي للدار البيضاء-سطات | 73 مليون درهم |
| وزارة الثقافة (والشباب والتواصل) | 27 مليون درهم |
هذا التمويل الضخم يضع مسؤولية تاريخية مضاعفة على عاتق اللجنة الإقليمية المشرفة على التتبع، التي يجب أن تضمن صرف كل سنتيم في مكانه الصحيح، بعيداً عن صفقات “التفاوض المباشر” أو الاختلالات التي تضرب المشاريع الكبرى.
بالرغم من الإعلانات المتكررة والمبالغ المرصودة، لا تزال المعلمة تشكو من “الجمود” في عدد من الأوراش الأساسية.
تظل المسقاة البرتغالية، التحفة المعمارية التي صُورت فيها مشاهد عالمية، مغلقة منذ سنوات بسبب المشاكل البنيوية، حيث تصل كلفة ترميم وتهيئة المسقاة وحدها إلى 25 مليون درهم. ورغم الحديث عن الاستعانة بـ “خبراء من لشبونة” لترميمها، إلا أن الإجراءات الإدارية والصفقات الخاصة بها لم تنطلق بعد بالشكل المطلوب، مما يطيل عمر هذه الجوهرة وهي حبيسة الإغلاق.
يشمل البرنامج المعتمد أهدافاً هيكلية تتجاوز الترميم المادي لتبلغ التأهيل الحضري والسياحي:
- تأهيل وترميم القلعة، الحصون، والأبراج وتدعيم وإصلاح الأسوار المهددة.
- تدعيم وإصلاح البنايات المهددة بالانهيار داخل الحي.
- تهيئة المسار السياحي لخلق دينامية اقتصادية تخدم سكان الجديدة.
- إنجاز وثائق التعمير الضرورية لحماية محيط الحي البرتغالي وقصبة بولعوان.
إن مشروع ترميم الحي البرتغالي يمثل فرصة ذهبية ليس فقط للحفاظ على تراث عالمي، بل لجعله رافعة قوية للتنمية السوسيو-اقتصادية لمدينة الجديدة وإقليمها. الهدف ليس مجرد “الصباغة” و”الترميم الشكلي”، بل خلق جاذبية سياحية مستدامة تدر دخلاً على الساكنة المحلية.
لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب ما هو أكثر من مجرد تخصيص ميزانية: إنه يتطلب كسر حلقات الإهمال السابقة، وتجاوز البيروقراطية القاتلة التي أخرت تنفيذ المشاريع لسنوات، والعمل بنهج شفاف يضمن المحاسبة الصارمة لكل طرف معني بهذا التراث الوطني.
العيون اليوم تتجه إلى الجديدة: فهل تنجح الأطراف الشريكة في إخراج هذه المعلمة من “أرذل العمر” لتعود جوهرة التراث العالمي متلألئة؟
