عامل الجديدة الجديد أمام “صندوق الملفات السوداء”: هل ينجح داحا في فكّ شيفرة التنمية المعقدة بالإقليم؟
في ظل سيل متزايد من الانتقادات بشأن تدني جودة الخدمات العمومية، تفاقم الأزمات الاجتماعية، واستمرار التوترات في الحكامة المحلية، يتسلم السيد سيدي صالح داحا، العامل الجديد لإقليم الجديدة، مهامه وسط ركام من الملفات “الحارقة” التي تنتظر قرارات حاسمة. إن إقليم الجديدة، الذي يمثل ثقلاً اقتصادياً وسياحياً مهماً ضمن جهة الدار البيضاء-سطات، يبدو اليوم وكأنه يراوح مكانه، تتجاذبه مشاريع متعثرة وأزمات هيكلية، مما يضع العامِل الجديد أمام تحدٍ وجودي: إما تحقيق قفزة نوعية في الأداء أو الاستسلام لـ “عقلية الإقصاء” التي تضرب الشفافية والمساءلة.
1. التقاطعات الضاغطة: إقليم على صفيح ساخن
ما يميز المشهد الحالي في الجديدة هو التقاطع الخطير لثلاثة محاور أزمات رئيسية، تتطلب من العامل الجديد إستراتيجية لا تكتفي برد الفعل بل تخترق جوهر المشكلات:
أ. الفشل الإداري في قطاع الخدمات الاجتماعية
تُعد الخدمات الاجتماعية مؤشراً حقيقياً على كفاءة الإدارة المحلية. لكن الإقليم يشهد حالات صراخ اجتماعي حادة، أبرزها:
- أزمة النقل المدرسي وخدمات القرب: حيث تشهد مناطق كـ الحوزية معاناة أمهات اضطررن للمبيت في حدائق المدينة فقط لإطعام أبنائهن المحرومين من النقل المدرسي، في دليل دامغ على فشل البرامج الاجتماعية وتقليص الفوارق المجالية.
- جودة الخدمات العمومية: يُضاف إلى ذلك تدهور جودة البنية التحتية، وازدحام قطارات الجديدة-الدار البيضاء المزمن، واختلالات المستشفى المحلي بأزمور (كما في قضية تجميد المعدات الطبية)، ما يثير تساؤلات حول الكفاءة في تدبير الموارد البشرية والمالية.
ب. التوتر الأمني في الواجهة والعمق
الإقليم ليس بمنأى عن الإجرام المنظم، الذي ينشط على محورين:
- الهجرة والمخدرات: توقيف المرشحين للهجرة السرية في سيدي بوزيد، ووفاة “بارون دكالة” (حمدون) داخل سجن سيدي موسى، كلها مؤشرات على وجود شبكات إجرامية قوية تعمل على الساحل وفي العمق، وتتطلب يقظة أمنية مضاعفة.
- جرائم العالم القروي: استمرار عمليات “الفراقشية” (لصوص المواشي) في أزمور ونواحيها، وما صاحبها من حجز للعربات الفلاحية المستعملة، يُظهر أن الأمن الاقتصادي للفلاحين مهدد باستمرار، وأن جهود مكافحة الجريمة يجب أن تتوجه بشكل مكثف نحو الدواوير المعزولة.ج. الحكامة المحلية المتوترة وقضايا الفساد
تظل العلاقة بين السلطات المنتخبة والمواطنين متوترة، خاصة في ظل:
- فوضى الملك العام: استمرار الجدل حول هدم المقاهي على شاطئ الجديدة، والحديث عن خروقات في تنفيذ المشاريع الجماعية، يكشف عن صراع حول استغلال الملك العمومي، ويضع العامل أمام ضرورة تطبيق القانون بصرامة وشفافية على الجميع.
- ملفات المفسدين: توقيف نواب رئيس جماعة أزمور في قضايا ارتشاء واستغلال نفوذ، يشير إلى أن جماعات الفساد متجذرة في الإدارة الترابية، وأن التطهير يحتاج إلى إرادة قوية تبدأ من أعلى هرم السلطة بالإقليم.
2. “الملفات الحارقة” على مكتب سيدي صالح داحا
العامل الجديد، الذي يمتلك تجربة إدارية، يجد نفسه أمام مهمة إنقاذ تستوجب فك شيفرة “الصندوق الأسود” الذي يحتوي على ملفات شائكة:
| الملف الحارق | التحدي الرئيسي | الإستراتيجية المطلوبة |
| تقليص الفوارق الاجتماعية | معالجة الفشل الإداري في تأمين خدمات النقل المدرسي والماء والصحة في الدواوير. | إعادة توجيه الميزانيات نحو البنية التحتية القروية والخدمات الأساسية، وتفعيل آليات التتبع الميداني الصارم للجماعات المحلية. |
| تطهير الحكامة المحلية | مواجهة الفساد واستغلال النفوذ داخل المجالس المنتخبة وتطبيق القانون بحزم في ملفات الملك العمومي. | التنسيق المباشر والفعال مع النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات، ووقف التواطؤ في قضايا الترامي على الأراضي والشواطئ. |
| تأمين الأرياف | مكافحة “الفراقشية” وشبكات المخدرات والهجرة غير النظامية التي تهدد الاستقرار. | تكثيف التغطية الأمنية في المناطق القروية وتزويدها باللوجستيك الضروري، وتفعيل الاستخبارات الترابية لضرب الشبكات الإجرامية. |
| تنفيذ المشاريع الكبرى | إعادة الحياة للمشاريع المتعثرة في إطار برنامج التنمية الجهوية، وضمان جودة إنجازها. | إجراء افتحاص عاجل للمشاريع المتأخرة، وإرساء مبدأ المحاسبة على كل تقصير في تنفيذ دفاتر التحملات. |
3. سيناريو المواجهة: بين الاستراتيجية والحصار
قدوم عامل جديد غالباً ما يُنظر إليه على أنه فرصة لإعادة “التوجيه” وتنزيل إستراتيجية محكمة تقطع مع الماضي. لكن السؤال المحوري يظل معلقاً: هل سيتمكن سيدي صالح داحا من تنزيل هذه الإستراتيجية بنجاح، أم سيتم محاصرته؟
أ. سيناريو الإستراتيجية المحكمة (الأمل)
لتحقيق النجاح، يجب على العامل الجديد أن يتبنى منهجية الصدمة الشفافة، عبر:
- الشفافية في التواصل: فتح قنوات دائمة مع الإعلام الجاد والمجتمع المدني لضمان الرقابة الشعبية، وإلزام الإدارات العمومية باعتماد الشفافية واللغة العربية في التعاملات بدلاً من “عقلية الإقصاء” الإداري.
- تفعيل مبدأ الربط بين المسؤولية والمحاسبة: العمل كـ “رقيب” صارم يرفع تقارير دقيقة وموثقة إلى المفتشية العامة للإدارة الترابية والمؤسسات الرقابية (كالمجلس الأعلى للحسابات) لدفع عجلة المساءلة.
- التركيز على الفاعل القروي: يجب أن يكون تحسين ظروف عيش الفلاحين وساكنة الدواوير أولوية قصوى، عبر ضمان وصول الخدمات الأساسية إليهم (الصحة، التعليم، الطرق).
ب. سيناريو الحصار وتغييب الأهداف (الخطر)
الخطر الأكبر الذي يواجه العامل هو “الحصار البيروقراطي والسياسي”، حيث قد تسعى لوبيات الفساد وشبكات المصالح الراسخة إلى:
- تشويه الأولويات: تحويل اهتمامه إلى “مشاريع الواجهة” في المدن بدلاً من معالجة الجرح الغائر في الأرياف.
- تغليف التوجهات بأفق غامض: خلق لجان دراسة لا متناهية وتأجيل القرارات الكبرى، مما يؤدي إلى تضييع الوقت والمال العام، وبالتالي تحويل التوجهات نحو أفق غامض يفقد الإقليم فيه البوصلة التنموية.
إن المرحلة القادمة ستكون هي المعيار الحقيقي لنجاح العامل الجديد. فإما أن يُصبح سيدي صالح داحا مهندس التحول الحقيقي في الجديدة، وإما أن يُضاف اسمه إلى سلسلة المسؤولين الذين تم “تهميش” إستراتيجياتهم في إقليم لم يجد بعد مساره التنموي العادل والمنصف. المواجهة حتمية بين إرادة التغيير وواقع الاختلالات.
