هل سيكتب “الروبوت” روايتنا القادمة؟… الذكاء الاصطناعي بين وعد الإبداع وهاجس “قتل الروح” الثقافية

shutterstock_2284318457-1683109861

لم يعد الذكاء الاصطناعي (AI) مجرد أداة تقنية في المختبرات، بل أصبح قوة تحويلية تقتحم حصون الإبداع البشري. فمع انتشار نماذج اللغة التوليدية المتقدمة مثل ChatGPT، وبرامج توليد الصور والفن، انقسم المشهد الثقافي العربي بين متحمس يرى في هذه التقنية شريكاً ثورياً، ومتخوف يخشى أن تكون الآلة مجرد قاتل صامت لـ “روح” الأدب والفن الأصيلة.

تشكل هذه القضية اليوم واحدة من أبرز النقاشات الثقافية في المعارض والندوات، حيث تطرح إشكاليات عميقة تتعلق بـ الملكية الفكرية، وحقيقة الإبداع، ومستقبل الكاتب والفنان البشري.

إشكالية “وهم الإبداع” في الوسط الأدبي

الجدل الأكبر يدور حول قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج أدب “أصيل” يلامس المشاعر والتجارب الإنسانية المعقدة.

الدكتور أمير تاج السر، الروائي السوداني، يرى أن الذكاء الاصطناعي لن يكون بديلاً للكاتب، مؤكداً أن الإبداع الحقيقي ينبع من “الروح الفنية” والخبرات الحياتية العميقة التي تفتقر إليها الخوارزميات. هذا الرأي يتوافق مع ما ذهبت إليه الأكاديمية المغربية زهور كرام خلال ندوة أقيمت على هامش المعرض الدولي للكتاب في الرباط (مايو 2024)، حيث أوضحت أن الذكاء الاصطناعي “لا يولّد الأدب بل يقتصر على توليد الحكاية”، لأن الأدب هو إبداع بشري خالص.

وفي السياق النقدي، يحذر خبراء من ما يُسمى “الهلوسة المعلوماتية” للذكاء الاصطناعي، وهي إنتاج معلومات غير دقيقة أو مختلقة تبدو صحيحة، مما يؤكد أن الآلة، مهما أتقنت اللغة، فإنها لا تملك موقفاً نقدياً أو فهماً حقيقياً للسياق.

تحديات حقوق النشر والقرصنة

التخوف الأكبر للمبدعين العرب لا يقتصر على الجودة الفنية، بل يمتد إلى الجوانب العملية والمالية. فالذكاء الاصطناعي يتغذى على كميات هائلة من النصوص واللوحات الموجودة مسبقاً، مما يطرح أسئلة ملحة حول:

  • حقوق الملكية الفكرية: من يملك حقوق الرواية أو اللوحة التي أنتجتها خوارزمية تدربت على آلاف الأعمال المسروقة أو غير المصرح بها؟
  • قرصنة الأعمال: يخشى الأدباء من استغلال أسمائهم أو قرصنة نصوصهم وتغييرها بواسطة الذكاء الاصطناعي، مما يهدد دخلهم ويصعّب عليهم الاستفادة من حقوق النشر.

الذكاء الاصطناعي شريك في الحفاظ على التراث العربي

على الجانب الآخر من الجدل، تُظهر المؤسسات الثقافية العربية توجهاً واضحاً نحو تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة التراث واللغة، بدلاً من التخوف منه:

  1. صون اللغة والتراث: يعمل باحثون في مؤسسات كبرى (مثل جامعة حمد بن خليفة) على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لـ تعزيز الهوية الإسلامية واللغة العربية. هذا يشمل استخدام الذكاء الاصطناعي لـ رقمنة وترجمة وفهرسة النصوص القديمة، مما يحافظ على التراث اللغوي ويجعله متاحاً للباحثين والطلاب حول العالم.
  2. أداة مساعدة للناشر والكاتب: يرى النقاد أن الدور الأنجع للذكاء الاصطناعي هو أن يكون أداة مساعدة لا بديلاً. فهو قادر على توليد الأفكار، تحرير النصوص، وتحليل الاتجاهات، لمساعدة الناشرين على التنبؤ بنجاح الكتب المستقبلية.

 دعوة للتبني الحذر

إن التحدي الذي يواجه الثقافة العربية اليوم ليس في منع الذكاء الاصطناعي، بل في تحديد دوره ووضع أطر أخلاقية وقانونية له. فكما أكدت الدكتورة فاطمة البريكي، الناقدة الإماراتية، فإن “الذكاء الاصطناعي لابد أن يتحدّد دوره في أن يكون أداة مساعدة للكاتب البشري، وليس كبديل له”.

الآلة قادرة على التقليد والمحاكاة بكفاءة عالية، ولكنها تفتقر إلى العاطفة، والوعي، والـ “أنا” الفلسفية التي تصنع الأدب والفن الخالد. يبقى مستقبل الإبداع في المنطقة مرهوناً بقدرة المبدع العربي على دمج هذه التكنولوجيا الحديثة بـ اللغة العربية الغنية وروح التجربة الإنسانية دون أن يقتل شغفه.

About The Author